أخبار وطنية رسالة مفتوحة إلى وزير النقل: ماذا فعلت بعد وفاة 18 مواطن تونسي في حادثة قطار الفحص؟
توجه رئيس الهيئة الوطنية لمدارس تعليم السياقة بتونس ســامي الـهـانــي برسالة مفتوحة إلى وزير النقل محمود بن رمضان ذكّره من خلالها بحادثة القطار بجهة الفحص التي تسببت في مقتل 18 مسافرا وجرح آخرين مفصّلا الأسباب المؤدية لتزايد ظاهرة حوادث الطرقات من منظوره. كما اتهم الحكومات المتداولة ووزارة النقل الحالية بالفشل الذريع بمعالجة ظاهرة "المذبحة الطرقية" ومسائلا إياها عن الإجراءات التي قامت بها لمجابهتها.
وهذا ما جاء في نص الرسالة:
حادث القطار بجهة الفحص من ولاية زغوان فجع كل التونسيين بسبب وعورته وخطورته، وفاة 18 مسافرا وإصابة 98 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة جراء إصطدام عنيف بين القطار الرابط بين الدهماني وتونس العاصمة بشاحنة ثقيلة، قوة التصادم العنيفة جعلت خط الجثث المسجاة يمتد طويلا، لم يكن هناك حداد وطني ولا إعفاءات من المهام لبعض القائمين على الشأن، فقط تفجع شفوي ذاب بسرعة ونسيه الناس، وغيره من الأحداث، لم يحاسب أحد أو يقدم للمساءلة،
سيدي وزير النقل:
موضوع حوادث السير في تونس ذو شجون، ففي شهر رمضان ترتفع وتيرة هذه الحوادث كما في العطل والأعياد، ومع التساقطات الأولى للأمطار حيث تكثر الانزلاقات على الطرق وحتى على طول السنة، والحصيلة دائما ثقيلة ومفجعة، فتصبح فضاءات الطرقات في تونس فضاءات للموت، ذلك الموت المجاني الذي يجعل دم الضحية يذهب هدرا فتصبح الخسارة أفدح للأسر وللوطن، الأسر تفقد أحبتها ومعيليها وإن لم تفقدهم يصبحون عالة تطببهم وترعاهم نتيجة العاهات المستديمة، والدولة تكلفها حوادث السير 800 ألف دينار يوميا، وعدد ضحايا حرب الطرقات يصل هذه السنة إلى 1565 قتيلا و12354 جريحا والحصيلة مرشحة للارتفاع ،أليس الأمر كارثيا ؟
ويؤكد حجم خسارتنا وأننا متخلفون في الوقاية من حوادث السير – حكومة وشعبا- والأمر يحتاج إلى الكثير من الجهود لتجاوزه .
إن المذبحة التي تعرفها طرقاتنا لها ارتباط وثيق بتهاون عام، وعدم تظافر الجهود، والدليل على ذلك أننا لم نستطع الحد من هذه المذبحة الطرقية وإنما وتيرتها في ارتفاع مستمر، في حين استطاعت الدول المتقدمة تخفيض المعدل إلى ثلاثين في المائة ،وتعتبر الدول الإفريقية والعربية في المقدمة عالميا من حيث حوادث السير وتعتبر تونس من الأول عربيا وإفريقيا من ناحية خطورة الحوادث؟.
سيدي وزير النقل:
علينا أن نتحلى بالقليل من الشجاعة ونعترف بأننا فشلنا في الحد من حوادث السير، فشلنا باد في فشل منظومة رخص السياقة وفي قانون الطرقات، وفي الفوضى التي يمارسها السائقون في المدن، رغم تضاعف عدد السيارات الشيء الذي يوجب حذرا أكثر، لكن الواقع يؤكد العكس، فنتنافس على إطلاق الأبواق في إشارات المرور، وتجاوز الضوء الأحمر، وعدم التسامح في الطريق، فلنخرق قانون السير بحذافره، فيصبح الأمر مميتا في بعض الأحيان، أي نمارس تخلفنا بطريقة تصاعدية تفضي إلى موت مجاني على الطرقات، ومن مظاهر هذا التخلف التغاضي عن الوعي بالخطر المحدق بنا، وما تحمله الطرقات من مخاطر، فنقدم الرشوة لننجح في امتحان رخصة السياقة، وتتدخل العلاقات، ويتغاضى الأمن عن أعطاب سياراتنا وعن مخالفاتنا ، دخلاء في كل مكان وسمسرة وتجارة فيبدو تخلفنا واضحا وضوح الشمس أيضا، لما تدرج على طرقاتنا سيارات وحافلات مهترئة، تحمل الموت لركابها في أوقات كثيرة، ويبدو تخلفنا متمثلا في عدم احترامنا لقانون السير، لما يفرط السائق في السرعة على طرقات ضيقة ومليئة بحفر مفتوحة عن آخرها ومنعرجات خطيرة وغير محصنة، نعبر عن تخلفنا لما يعتبر البعض شرب الخمر مظهرا من مظاهر التحضر «فيعب القناني ويخرج ليسوق سيارته وهو لا يعرف رأسه من رجليه»، فيقتل نفسه، أو يتسبب في قتل العباد ،وقد أرجعت اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير الخمر كسبب ثاني لحوادث السير.
يتمظهر تخلفنا وتخلف حكومتنا في عدم بتر النقط السوداء من على خريطة البلاد، وفي عدم توفير بنية تحتية تستطيع امتصاص الضغط واستيعاب العدد المهول من السيارات التي أصبحت تدرج على الطرقات مقارنة مع السنوات الماضية، بالإضافة إلى سن قوانين فعالة مواتية للزمان والمكان، ونابعة من ظروفنا لتنبت في تربة تونسية فتلائم أوضاعنا فلا نظطر إلى استيراد مدونات سير من دول متقدمة تثبت عدم فعاليتها لاختلاف مناخ التطبيق.
سيدي وزيرالنقل:
الجميع يسهم في جريمة الإرهاب المروري، والجميع يسهم في إراقة الدماء على طرقنا، أسف وتنديد لجان تحقيق تفتح ثم تغلق وكأن شيئا لم يحدث، لتعود الحوادث في اليوم الموالي لتتصدر عناوين الأخبار إلى درجة أصبحت معها أخبار حوادث المرور لكثرتها عادية لدرجة الابتذال فحال السيارات «المبعوجة» والحافلات التي طار سقفها واقتلعت كراسيها مع أرواح راكبيها ،والجثث المسجاة على جانب الطرقات لم تعد تثير في المشاهد أية مشاعر ولا يعتبر بها،لاعتياده رؤيتها يوميا على شاشات التلفزيون.
إن تخلفنا في محاربة حوادث السير عميق الغور ولم نستطع اختراع عقاقير مضادة له بعملنا الجاد على تجاوزه وتجاوز هذه المأساة فنكتفي بالمسكنات التي يكون مفعولها مؤقتا، فحتى شروط التوعية الحقة والحلول التي ترتجلها منظمات المجتمع المدني للحد من حوادث السير موسمية ومرتجلة وغير فعالة في غياب تام للدولة، إن الأمر أعمق وأخطر بكثير فعوامل كثيرة ومعقدة وراء هذه الكارثة الإنسانية والأمر يحتاج إلى حلول على العديد من المستويات، وتغيير الكثير من المفاهيم والسلوكات وعلاج الكثير من المشاكل التي تكرس تخلفنا لنتجاوز هذه المحنة أو الكارثة التونسية بامتياز والتي تثير الأسى والألم ،فالعدد المهول للضحايا يؤكد حجم الخسارة.
إن حادث مرور يعني في الغالب الموت لأن المواضع الأكثر تعرضا للإصابة في جسم الضحية هي الجمجمة والعنق والنخاع الشوكي بنسبة 85 في المائة مقارنة مع أعضاء الجسم الأخرى ، وإصابة هذه الأماكن الحساسة من جسم الإنسان تؤدي إلى وفاة فورية أو إلى عاهة مستديمة.
سيدي وزير النقل:
في الدول المتقدمة ينصحون أثناء حملات التوعية بمخاطر الطريق ـ وما أحوجنا لهذه الحملات ـ المسافرين باستخدام وسائل النقل العمومية بدل سياراتهم الخاصة لتجنب حوادث السير، ومن هذه الوسائل الحافلات والقطارات، فعندنا على المسافر أن يفكر ألف مرة قبل امتطاء وسائل النقل العمومي، وخصوصا بعد الفاجعة الأخيرة في الفحص وكل من تسول له ظروفه السفر عبر الحافلة يتلو الشهادة قبل صعودها لأنه لا يعرف إن كان سيصل سالما إلى مقصده أم ستنقلب عند أول منعرج أو حادث إصطدام في تقاطع ما، وحتى القطارات التي كانت تعتبر أكثر أمانا أصبحنا نسمع عن خروجها عن الخط بين الفينة والأخرى .
إن الكلمة التي قالها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الراحل يونغ – ووك: «السلامة على الطرق لا يجوز أن تترك للمصادفة» قولة لا يجب أن تمر مرور الكرام ، وإنما علينا أن نستوعبها جيدا، لأن الأمر يتعلق بسلامة أرواح العباد التي يجب أن لا نترك المصادفة تحميهم من الموت، لأن كل خطإ يرتكب على الطريق مهما كانت بساطته يصبح قاتلا، فالطريق لا تحتمل الأخطاء، فكلنا معنيون والحل يبدأ من اعترافنا بأخطائنا النابعة من تخلفنا وبمحاولة تخلصنا من هذا التخلف الذي يكبلنا ويمنعنا من اتخاذ خطوات جريئة إلى الأمام.
نسبة الحوادث في تونس تتزايد باستمرار، والطريف في الأمر أن دولة تعيش حربا حقيقية مع العدو الصهيوني كفلسطين وتعيش الحصار والهدم المستمر لمنشآتها استطاعت تطبيق استراتيجية بإصلاح قوانين السير ومنظومة رخص السياقة مكنتها من التقليل من حوادث السير بنسبة عشر في المائة، إنها الإرادة الحقيقية التي إن غابت لن يتحقق أي شيء.
سيدي وزير النقل:
هل سنظل نشطف الطرق بخراطيم الماء من الدماء ونحصي الضحايا، أم نقيم الدنيا ولا نقعد ونشمر عن ساعد الجد ونعتبر أنفسنا كلنا مسؤولين عما يقع ولا نظل نتبادل التهم، حتى نجد الحل الأنجع، للتخفيف من هذا الطاعون الذي يزرع الموت على طرقاتنا ويتفوق على حرب الأسلحة وعلى الكوليرا والأنفلونزا وننطلق فعليا في حوار وطني مجتمعي لإصلاح منظومة رخص السياقة وقانون الطرقات تؤخذ فيه بعين الإعتبار الإخلالات الموجودة.
إن حوادث السير وصمة عار على جبين الوطن، نوصم بالتقدم في حوادث السير ونتهم بالتخلف في المجالات المشرفة فنظل تحت رحمة الأمر الواقع دون أن نأخذ العبر أو نأخذ المبادرة ونتعلم من أخطائنا، فمتى سنتعلم؟".